وقالت "أونروا" إن إمدادات الطحين لديها نفدت بشكل كامل، مشيرةً إلى أن برنامج الأغذية العالمي أعلن في 25 أبريل/نيسان انتهاء مخزونه الغذائي في القطاع، وأضافت أن أكثر من 3 آلاف شاحنة محمّلة بالمساعدات المنقذة للحياة عالقة عند المعابر، بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. 

وفي ظل منع دخول المساعدات، حذّرت الوكالة الأممية من تفاقم الجوع في القطاع، مبينةً أن العائلات، بمن فيهم الأطفال، "فقط يأملون في الحصول على بعض الطعام للبقاء على قيد الحياة، عبر ما توزعه المنظمات الخيرية من وجبات دافئة".

"نحن جوعى.. أنقِذونا"

يتواصل التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مع تفاقم أزمة الغذاء والمياه وانتشار سوء التغذية بين الأطفال، نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، حسب التقرير الأسبوعي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".

وفي وقت سابق، أشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إلى أن أكثر من مليون طفل يعانون من الجوع اليومي، ونُقل نحو 65 ألفاً منهم إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد.

وفي فعالية نظّمها أمس الثلاثاء، فريق "الأصدقاء الأربعة" في مدينة خان يونس، تجمَّع أطفال، رافعين لافتات كُتب عليها: "بيكفي موت"، و"افتحوا المعابر"، و"نحن جوعى"، و"أنقذونا"، وكانت علامات سوء التغذية باديةً عليهم بوضوح، وسط استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول الغذاء والدواء للشهر الثاني على التوالي.

وقال رسمي أبو العينين، ممثل فريق "الأصدقاء الأربعة"، إن هذه الفعالية "هي الأصعب، لأن الأطفال اليوم لا يجدون طعاماً، ولا دواء، ولا مأوى آمناً". وأردف: "الاحتلال يمنع دخول المساعدات، والأسواق خالية. الجوع يفتك بهم كما تفعل القنابل... نشعر بالجوع والخوف والخذلان. منذ 2 مارس/آذار لم تدخل أي مساعدات. أطفالنا يموتون أمام أعيننا، أين ضمير الإنسانية؟".

وأفاد تقرير “أوتشا” بأن نحو 68% من مواقع النزوح في غزة لم تتلقَّ أي نوع من المساعدات الإنسانية خلال الأيام الثلاثين الماضية، وتُظهر البيانات وجود أزمة غذائية خانقة، حيث أكد المخبرون الرئيسيون في 71% من المواقع أن السكان لم يحصلوا على كفايتهم من الطعام، بسبب عدم توفّر الغذاء، ونقص المساعدات.

وفي ما يخص المياه، لم يتمكن 60% من السكان في تلك المواقع من الحصول على الكمية اليومية الموصى بها، واعتمد نحو 70% منهم على نقل المياه بالصهاريج كمصدر رئيسي، فيما واجهوا عقبات أبرزها نقص الخزانات.

 "تجويع من صُنع الإنسان"

في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، أكد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، أن المجاعة باتت تطرق أبواب قطاع غزة، محذراً من كارثة إنسانية غير مسبوقة.

في السياق، أكد أن الأطفال في غزة "يتضورون جوعاً"، متهماً إسرائيل بانتهاج سياسة تجويع متعمَّدة من خلال منع إدخال الغذاء والاحتياجات الأساسية، منذ إغلاقها الكامل للمعابر مطلع مارس/آذار. وأضاف: "إنه تجويع من صُنع الإنسان وبدوافع سياسية".

وتساءل لازاريني: "كم من الوقت تحتاج كلمات الإدانة الجوفاء حتى تتحول إلى أفعال؟ إلى رفع للحصار، واستئناف وقف إطلاق النار، وإنقاذ ما تبقى من الإنسانية؟".

في السياق ذاته، قال مدير الاتصال في "أونروا"، جوناثان فاولر، إن شبح المجاعة عاد ليخيم على الفلسطينيين في غزة، وسط حرب إبادة مستمرة وإغلاق إسرائيلي شامل للمعابر، مما أدى إلى نفاد كامل للمخزونات الغذائية لدى "أونروا" وبرنامج الأغذية العالمي.

ووصف فاولر الوضع في غزة بأنه "الأسوأ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول"، مضيفاً: "من الصعب إيجاد كلمات تصف ما يحدث. إنه أشبه بأهوال يوم القيامة، ويفتقر إلى أدنى درجات الإنسانية".

وشدد على أن "المجاعة في غزة قرار سياسي إسرائيلي بالكامل"، وأضاف: "إذا سُمح بدخول المساعدات، فإنها ستصل، لكن إسرائيل تفرض حصاراً خانقاً يمنع أي شيء من العبور"، مشيراً إلى تجاهل الدعوات الدولية لفك الحصار. ووصف فاولر الحصار وفشل المجتمع الدولي في التصدي له بأنه "فضيحة حقيقية".

قيود إسرائيلية على عمل “أونروا”

وحول القيود المفروضة على الوكالة الأممية، أوضح فاولر أن إسرائيل تفرض منعاً مزدوجاً: أولًا، تمنع "أونروا" من العمل في مناطق تعدها ضمن "أراضيها السيادية"، بما فيها القدس الشرقية المحتلة. وثانياً، تعرقل نشاطات الوكالة في قطاع غزة وتمنعها من تقديم خدماتها الحيوية.

وأكد فاولر أن "أونروا" تمثل العمود الفقري للعمل الإنساني الدولي في غزة، قائلاً: "نحن أكبر هيئة تابعة للأمم المتحدة تعمل في غزة، ونضم 12 ألف موظف ميداني، جميعهم من الفلسطينيين، في حين لا يتجاوز عدد موظفي بقية الوكالات الأممية مجتمعةً، محليين ودوليين، 400 موظف فقط".

وقال فاولر إن استهداف إسرائيل وكالة "أونروا"، الجهة الوحيدة التي تقدم خدمات مباشرة للاجئين الفلسطينيين، يشكّل "سابقة خطيرة وغير مقبولة قانونياً، وقد يشجع مستقبلاً على استهداف وكالات أممية أخرى".

وأشار فاولر إلى أن "أونروا" تواجه ضغوطاً مالية هائلة بعد قرار الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وقف تمويلها، استناداً إلى مزاعم إسرائيلية غير مثبتة عن ضلوع بعض موظفي الوكالة في هجوم حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويتزامن ذلك مع بدء محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الاثنين، جلسات استماع لمناقشة التزامات إسرائيل الإنسانية تجاه الفلسطينيين، بعد مرور نحو شهرين على فرض الحصار الشامل على القطاع، في سياق حرب الإبادة التي تشنها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ومنذ نحو شهرين، تمنع إسرائيل بشكل كامل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد أن أغلقت في 2 مارس/آذار معابر كرم أبو سالم، وزيكيم، وبيت حانون، مما أدى إلى توقف دخول الإمدادات الغذائية والوقود والدواء.

ويعتمد نحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع اعتماداً شبه كُلِّي على المساعدات الخارجية، التي توقفت تماماً منذ ذلك التاريخ، ما فاقم من خطر المجاعة، خصوصاً في صفوف الأطفال والمرضى.