بعد أسابيع من الضجيج في البيت الأبيض والقلق حول العالم، من المقرر أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن سلسلة من التعريفات الجمركية "المتبادلة" على الدول القريبة والبعيدة على حدٍّ سواء.
وتأتي الرسوم الجمركية الجديدة -التي سمّاها ترمب "يوم التحرير"- في محاولة لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة ومعاقبة الدول الأخرى على ما قال إنها سنوات من ممارسات التجارة غير العادلة.
ولكن بحسب تقييمات معظم خبراء الاقتصاد، فإن هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر تهدد بدفع الاقتصاد إلى حالة من الركود وإضعاف التحالفات التي استمرت لعقود من الزمن.
فيما يلي نحاول التفصيل حول ما سيتأثر ومن سيتأثر بناءً على البيانات الحالية والرؤى الاقتصادية.
ما الذي سيتأثر؟
ستؤثر التعريفات الجمركية في تريليونات الدولارات من الواردات من معظم شركاء الولايات المتحدة، إذ ستفرض رسوماً بنسبة 25 في المئة على السيارات والصلب والألمنيوم والأدوية وغيرها، باستثناء السلع المغطاة باتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وتشمل التعريفات الجمركية الحالية معدل 25% على معظم السلع الكندية والمكسيكية (10% على الطاقة) ومعدل 20% على الواردات الصينية، بدءاً من 4 مارس/آذار 2025.
من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات والأخشاب والأدوية والألعاب والأحذية. وسيتحمل المستوردون الأمريكيون هذه الرسوم الجمركية، وغالباً ما سيحملون تكاليفها على المستهلكين.
قد تؤدي رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات إلى رفع أسعار السيارات بمقدار 2700 دولار. كما قد تؤدي الرسوم الجمركية على الأخشاب الكندية والمنتجات المكسيكية، مثل الأفوكادو، إلى زيادة تكاليف السكن والبقالة.
قد تستفيد الصناعات الأمريكية مثل صناعة الصلب والألمنيوم والسيارات من انخفاض المنافسة الأجنبية، ما قد يعزز نمو الوظائف.
ويتوقع البيت الأبيض أن تسهم إيرادات الرسوم الجمركية على السيارات بقيمة 100 مليار دولار في تعزيز التصنيع في الولايات المتحدة.
ستواجه الصناعات المعتمدة على المكونات المستوردة، مثل الإلكترونيات وصناعة السيارات، تكاليف أعلى. وقد تواجه شركات صناعة السيارات الأمريكية المستوردة من كندا والمكسيك اضطرابات رغم إعفاءات اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وتشير تقديرات مؤسسة الضرائب إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضتها كندا والمكسيك والصين قد تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل بنسبة 0.4%، ما يؤدي إلى فقدان 358 ألف وظيفة بسبب ارتفاع التكاليف وخفض الصادرات الانتقامية.
وقد تؤدي التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً إلى تفاقم الوضع، إذ تشير النماذج إلى انخفاض محتمل في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% إذا جرى فرض تعرفة جمركية عالمية بنسبة 20% وتعرفة جمركية صينية بنسبة 60% بشكل كامل.
رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي توقعاته لمعدل التضخم لعام ٢٠٢٥ من ٢.٥٪ إلى ٢.٧٪ بسبب ارتفاع الأسعار الناجم عن الرسوم الجمركية. ما قد يتسبب في خسارة الأسر متوسطة الدخل بين ١٧٠٠ و٣٩٠٠ دولار أمريكي من قدرتها الشرائية سنوياً.
من جانبها، فرضت كندا رسوماً جمركية بنسبة 25% على سلع أمريكية بقيمة 155 مليار دولار. وتخطط المكسيك والصين لاتخاذ تدابير مضادة. وقد يستهدف الاتحاد الأوروبي صادرات أمريكية مثل فول الصويا ولحم الخنزير، ما يُعرّض ملايين الوظائف للخطر في ولايات مثل تكساس وأوهايو.
من سيتأثر؟
ارتفاع أسعار الواردات سوف يؤثر في جميع مستويات الدخل، ولكن الأسر من الطبقة الدنيا والمتوسطة، التي تنفق أكثر على الضروريات، سوف تكون الأكثر تضرراً.
وسوف يعاني سكان منطقة الغرب الأوسط والغرب الجبلي، الذين يعتمدون على النفط الكندي، والولايات الحدودية مثل تكساس، التي تعتمد على التجارة المكسيكية، من تأثيرات كبيرة.
ومن المتوقع أن تتكبد شركات مثل فورد وول مارت وآبل تكاليف أعلى للواردات. قد يتحمل بعضها هذه التكاليف، ما يقلل أرباحها، بينما قد يتحملها آخرون، ما قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية من المستهلكين.
ويواجه المزارعون، مثل منتجي الذرة والخنازير في ولاية أيوا، والمصنّعون، مثل شركات تصنيع قطع غيار السيارات في ولاية أوهايو، خطر خسارة الأسواق بسبب الرسوم الجمركية الانتقامية، وهو ما يذكرنا بإغاثة المزارعين التي وصلت قيمتها إلى 60 مليار دولار، والتي كانت مطلوبة خلال الحرب التجارية في فترة ترمب الأولى.
كما ستواجه الشركات الأمريكية الصغيرة التي تفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع سلاسل التوريد تكاليف متزايدة وحالة من عدم اليقين.
ويتوقع خبراء أن يتسبب فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 25% في خفض الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك بنسبة تصل إلى 16% ، نظراً لأن التجارة تُشكّل 70% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما قد يُسبّب ركوداً في كلا البلدين في حال استمراره. كما يُواجه قطاع صناعة السيارات في أونتاريو الكندية احتمال فقدان 500 ألف وظيفة.
كما سيؤثر رد الصين الانتقامي سلباً في صادرات الولايات المتحدة من الزراعة والغاز الطبيعي المسال. وبالمثل فإن فرض رسوم جمركية متبادلة على صادرات الاتحاد الأوروبي، مثل السيارات والكحول، قد يرفع التكاليف ويهدد بردود انتقامية، ما قد يتصاعد إلى حرب تجارية أوسع نطاقاً.
بالمقابل، من المتوقع أن تُولّد الرسوم الجمركية ما مقداره 3.8 تريليون دولار بين عامي 2025 و2034، ما يُعوّض تخفيضات ترمب الضريبية. لكن مع ذلك، قد تُخفّض التأثيرات الديناميكية والإجراءات الانتقامية هذا المبلغ إلى 3.1 تريليون دولار، وفقاً لمؤسسة الضرائب.
كذلك فإن "مقامرة" ترمب بأن الأمريكيين سوف يتقبلون تكاليف أعلى للسلع "المصنوعة في أمريكا" تواجه معارضة من الناخبين والشركات التي سئمت من التضخم، الأمر الذي قد يعرّض أجندته الاقتصادية للخطر، بحسب الخبراء.
آثار أخرى
كذلك قد تؤدي الرسوم الجمركية على التقنيات النظيفة، مثل المركبات الكهربائية ومواد توربينات الرياح، إلى زيادة التكاليف، ما يُبطئ عملية التحول في مجال الطاقة في الولايات المتحدة. كما قد تؤدي رسوم الرقائق الإلكترونية إلى زيادة تكاليف مراكز البيانات، ما يُعوق تقدم الذكاء الصناعي.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يتسبب عزل الحلفاء مثل كندا والاتحاد الأوروبي، مع فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة البريكس، في إضعاف النفوذ الاقتصادي الأمريكي حول العالم، من خلال دفع هذه الدول إلى التقارب مع بعضها بعضاً.