وفي 16 مايو/أيار الجاري، أفادت وزارة الخزانة الأمريكية بأنها تعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات الرئيس ترمب بشأن إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 1979، والتي جرى تشديدها بصورة واسعة منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.
وقد شكّلت هذه العقوبات أحد أبرز العوائق أمام لبنان في السنوات الأخيرة، إذ حالت على سبيل المثال دون تنفيذ مشروع إقليمي لنقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية إلى لبنان، وهو المشروع الذي أُعلن عنه عام 2022، لكنه بقي معطّلاً بسبب القيود الأمريكية.
ويرى مراقبون أن القرار الأمريكي قد يمهّد الطريق لإحياء هذا المشروع الحيوي، إضافة إلى فتح خطوط الترانزيت البرية والبحرية والتجارية بين لبنان وسوريا باتجاه الأسواق العربية، ولا سيما الخليجية منها.
مشروع قديم
كان لبنان وسوريا والأردن قد وقعت مطلع عام 2022 اتفاقيتين رئيسيتين: الأولى لتزويد لبنان بالكهرباء من الأردن، والثانية لتأمين عبور هذه الطاقة عبر الأراضي السورية، إلا أن العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا شكّلت عائقاً حال دون تنفيذ المشروع.
وبموجب الاتفاقيتين، كان يُفترض أن يحصل لبنان على الكهرباء الأردنية، إضافة إلى الاستفادة من الغاز المصري، بهدف تحسين ساعات التغذية الكهربائية التي كانت في عام 2022 لا تتجاوز ساعتين يومياً في معظم المناطق، نتيجة تقنين قاسٍ فرضته أزمة الطاقة.
وقد خُطّط للمشروع أن يوفّر للبنان نحو 300 ميغاوات من الكهرباء الأردنية، إلى جانب تشغيل معمل "دير عمار" الغازي شمال البلاد بقدرة إنتاجية تصل إلى 500 ميغاوات، ما كان من شأنه أن يرفع إجمالي التغذية الكهربائية إلى نحو 800 ميغاوات يومياً.
وتقدّر التكلفة السنوية للمشروع حينها بما بين 200 و300 مليون دولار، على أن يُموَّل في عامه الأول من خلال قرض مقدم من البنك الدولي.
من الناحية الفنية، يرتبط الأردن وسوريا بشبكة كهرباء منذ عام 2001، لكنها خرجت من الخدمة منتصف 2012 بسبب الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب السورية. أما لبنان، فيرتبط بسوريا بعدة خطوط كهرباء لا تزال قائمة، ما يجعل من إعادة تفعيل هذه الشبكات أمراً ممكناً تقنياً في حال توافر الغطاء السياسي والمالي.
انعكاسات إيجابية لرفع العقوبات عن سوريا على لبنان
أكد وزير الطاقة والمياه اللبناني، جو الصدّي ، في تصريح لوكالة الأناضول، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا سيترك آثاراً إيجابية مباشرة على لبنان، ولا سيما في قطاعي الطاقة والنفط.
وأوضح أن رفع العقوبات سيسهّل استجرار الطاقة والغاز عبر الأراضي السورية، من خلال تفعيل خط الربط الكهربائي مع الأردن، وكذلك خط الغاز المصري، ما يسهم في تحسين تغذية شبكة الكهرباء اللبنانية.
وأشار إلى أن من أولويات الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة إنشاء معمل حديث لتوليد الكهرباء يعمل بالغاز الطبيعي، بديلاً من الوقود الثقيل (الفيول)، لتحسين الكفاءة وتقليل التكلفة البيئية والمالية.
وفي السياق ذاته، لفت الوزير إلى أن دراسة جارية حالياً لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط القادم من العراق إلى لبنان، مروراً بسوريا، وكذلك لإعادة تأهيل "مصفاة البداوي" شمالي البلاد. وأكد أن هذا الملف كان ضمن جدول أعمال لقاءاته في بغداد الأسبوع الماضي مع وزير المالية العراقي ياسين جابر.
كما بحث وفد وزاري لبناني خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق إمكانية إعادة تفعيل مشروع خط النفط من كركوك العراقية إلى مصافي لبنان. وفي حال تنفيذه، سيمكّن المشروع لبنان من استيراد النفط الخام من العراق وتكريره محلياً، ما يفتح الباب أمام تصدير المنتجات النفطية المكررة، ويعزز إيرادات خزينة الدولة.
وفي هذا الصدد، صرّح مصدر حكومي لبناني للأناضول بأن بلاده تستفيد من هذا القرار على أكثر من مستوى، منها تفعيل استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، وتنشيط خطوط التجارة والعبور.
مضيفاً أن "لبنان يمكن أن يتحوّل إلى منصة إقليمية لإعادة الإعمار في سوريا، ما من شأنه إنعاش مختلف المرافق العامة والشركات اللبنانية، وتعزيز اندماج لبنان مجدداً في المحيط العربي وزيادة حجم صادراته".
انعكاسات إقليمية محتملة
من جهتها، قالت الخبيرة في شؤون النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لوري هايتايان، إن العقوبات المفروضة على سوريا كانت السبب الرئيسي في تعثر مشروع نقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان.
وأكدت في تصريحها للأناضول أن "رفع العقوبات يفتح المجال لإعادة إحياء هذا المشروع، الذي لا يحقق مكاسب للبنان فحسب، بل يفيد سوريا أيضاً التي تعاني من نقص حاد في الطاقة، كما يُعتبر مشروعاً مهماً من منظور المجتمع الدولي لربطه دول الإقليم بشبكات طاقة وتجارة إقليمية".
ولا يقتصر الملف على الكهرباء والغاز فقط، بل يتعداه إلى مشاريع مستقبلية واعدة، من بينها إنتاج الهيدروجين، بوصفه أحد مصادر الطاقة النظيفة التي تشهد اهتماماً متزايداً على المستوى العالمي.
وأضافت أن "نقل الطاقة النظيفة من دول الخليج إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا بوساطة خطوط أنابيب سيكون أقل تكلفة مقارنة بالوسائل الأخرى، وهو ما قد يعزز من أهمية سوريا في الخريطة الاقتصادية الإقليمية".
التمويل والتحديات أمام لبنان
في المقابل، رأت المحللة الاقتصادية محاسن مرسل أن رفع العقوبات عن سوريا يُعد خطوة إيجابية على صعيد مشاريع الطاقة في المنطقة، لكنها أكدت أن استفادة لبنان من ذلك ما زالت مرتبطة بعوامل أخرى، أبرزها إعادة تفعيل القرض الذي كان البنك الدولي قد خصّصه لتمويل مشروع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن.
وأوضحت مرسل، أن البنك الدولي كان قد ربط الموافقة على صرف هذا القرض بحزمة من الإصلاحات في قطاع الكهرباء اللبناني، من بينها زيادة التعرفة، وتحسين آليات الجباية، وتنظيم القطاع بما يضمن كفاءته واستدامته.
وأضافت أن هناك أيضاً شروطاً سياسية طرحها المجتمع الدولي، من بينها ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهو ما يجعل موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع غير مضمونة في الوقت الراهن.
واختتمت بالقول: "لهذا السبب، لا يمكن القول إن رفع العقوبات عن سوريا وحده كافٍ لتمكين لبنان من الاستفادة الكاملة من مشاريع الطاقة العابرة للحدود. هناك حاجة لمعالجة عوامل التمويل والإصلاح السياسي والمؤسسي لضمان تنفيذ المشروع على أرض الواقع".