جاء ذلك عبر مداخلات ممثلي دول السعودية والجزائر وجنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، الثلاثاء، في ثاني أيام جلسات استماعها التي تستمر أسبوعاً لمناقشة الالتزامات الإنسانية لإسرائيل تجاه الفلسطينيين بصفتها “سلطة احتلال” وفق القوانين الدولية.
وحذرت السعودية من أن منع إسرائيل إدخال مساعدات إلى غزة يخدم التطهير العرقي الذي تنفذه بترحيل وقتل الفلسطينيين بما يخدم تمكينها من احتلال القطاع.
وقال ممثل المملكة أمام المحكمة محمد سعود الناصر: "الإفلات من العقاب دفع إسرائيل إلى وقف دخول مساعدات للفلسطينيين، في تصرف فظيع يراكم سلوكياتها غير الشرعية". وأضاف: "لا شيء يبرر وحشية إسرائيل بمنع إدخال الغذاء والدواء والوقود إلى غزة".
وحذّر الناصر من أن "منع إسرائيل إدخال الغذاء والدواء والوقود لغزة يخدم التطهير العرقي الذي تنفذه بترحيل وقتل الفلسطينيين لتمكينها من احتلال القطاع".
وأضاف أن "إسرائيل ترى نفسها فوق كل القوانين وترفض الامتثال للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي طالبها بوقف العدوان على غزة".
واتهم ممثل السعودية إسرائيل بأنها "تتجاهل المطالب الدولية بوقف الحرب على غزة وتفاقم الأوضاع في القطاع بما يحوله إلى مقبرة لآلاف الأبرياء". وأكد أن "إسرائيل ملزمة بتسهيل عمل المنظمات الإنسانية خصوصاً أونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) في غزة والضفة".
فيما قالت الجزائر إن حظر إسرائيل عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأراضي الفلسطينية يعد "إلغاء لحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم".
وأكدت مايا ساحلي فاضل، ممثلة الجزائر في الجلسات العلنية لمحكمة العدل الدولية أن "خذلان الوكالة (من المجتمع الدولي) يعزز سياسة الكيل بمكيالين تجاه القانون الدولي".
وأضافت: "الجزائر تريد أن تذكّركم بأنه يوجد أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لدى أونروا التي تُسيّر 58 مخيماً و711 مدرسة بها 550 ألف تلميذ". وأكدت كذلك حق الفلسطينيين في الإغاثة والمساعدات الإنسانية وأن "إسرائيل مجبرة على عدم منع وعرقلة أنشطة أونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس".
واتهمت ممثلة جنوب إفريقيا، روكانيا تيليه، في مرافعة أمام محكمة العدل الدولية، إسرائيل بتجاهل القوانين الدولية التي تُلزمها إدخال مساعدات إلى قطاع غزة وحماية العاملين في المنظمات الإنسانية، مطبقةً عقاباً جماعياً على المدنيين الفلسطينيين.
وقالت تيليه إن "إسرائيل تتجاهل القوانين التي تُلزمها إدخال مساعدات لغزة، وفرضت حصاراً آخر على القطاع منذ 8 أسابيع بعد حظر أونروا". وأضافت: "غزة والضفة، بما فيها القدس الشرقية، لا تزال تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وتنطبق عليها قوانين الاحتلال".
وشددت على أنه "لا يمكن لإسرائيل فرض إجراءات يمنعها القانون الدولي، كالاستيطان والترحيل القسري الجماعي واستهداف مدارس ومناهج تعليمية لمحو تاريخ الفلسطينيين".
وأردفت: "لا يمكن لإسرائيل فرض عقاب جماعي بالقصف العشوائي للمدنيين الفلسطينيين، في انتهاكٍ صارخٍ لالتزاماتها وفق القوانين بصفتها دولة محتلة".
وفي 9 أبريل/نيسان الجاري، أعلنت محكمة العدل الدولية -الجهاز القضائي الرئيسي بالأمم المتحدة- أن 40 دولة (ليس بينها إسرائيل) و4 منظمات دولية وإقليمية أعربت عن نيتها المشاركة في المرافعات الشفوية أمام المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا على مدى أسبوع.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، قراراً بطلب فتوى (رأي استشاري) من المحكمة حول التزامات إسرائيل في ما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة.
جاء ذلك عقب تصديق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على قانون قاد إلى حظر أنشطة أونروا، رغم اشتداد حاجة الفلسطينيين إلى خدماتها تحت وطأة الإبادة التي ترتكبها تل أبيب بحقهم.
وأصدرت العدل الدولية في 28 مارس/آذار و26 يناير/كانون الثاني 2024، مجموعتين من التدابير المؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا قي قضية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
ومن بين هذه التدابير ضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها دون عوائق، فضلاً عن الإمدادات والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة. لكنَّ إسرائيل تواصل تجاهل تلك التدابير، إذ تغلق معابر غزة كافة؛ ما أدخل القطاع في مرحلة المجاعة، جراء منع إدخال المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة.
كما أصدرت المحكمة في 29 يوليو/تموز 2024 رأياً استشارياً أكدت فيه أن استمرار وجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة "غير قانوني". وشددت على أن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن هذا الوجود الإسرائيلي غير القانوني.
وتعاظمت حاجة الفلسطينيين إلى أونروا، أكبر منظمة إنسانية دولية، تحت وطأة حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلَّفت أكثر من 170 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية في غزة، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 958 فلسطينياً، وإصابة نحو 7 آلاف، إضافةً إلى تسجيل 16 ألفاً و400 حالة اعتقال، وفق معطيات فلسطينية.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاماً، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم نحو 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمَّرت حرب الإبادة مساكنهم.