وكانت إسرائيل قد تقدمت بطلب لتعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالانت، المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، على خلفية التشكيك في اختصاص المحكمة، غير أن غرفة الاستئناف رفضت هذا الطلب، معتبرة إياه "عديم الجدوى" لغياب أي أساس قانوني يدعمه، وفق بيان نشرته المحكمة على موقعها الإلكتروني مساء الخميس الماضي.
وأشار البيان إلى أن المحكمة قررت كذلك "إلغاء القرار المطعون فيه"، مع إعادة القضية إلى الدائرة التمهيدية لإصدار حكم جديد حول اعتراض إسرائيل بشأن مسألة "الاختصاص".
خطوة حاسمة في مسار القضية
اعتبر خبراء قانون أن قرار المحكمة برفض تعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف يمثل خطوة هامة في مسار القضية، إذ يعكس إصرار المحكمة على مواصلة الإجراءات القانونية رغم الضغوط الإسرائيلية.
وقال الدكتور باسل منصور، أستاذ القانون الدولي بجامعة النجاح في نابلس، إن المحكمة "اتخذت إجراءاتها لضمان استمرار سير العدالة الدولية، ولا يمكن قانونياً إلغاء مذكرات الإحضار".
وأوضح منصور في حديث مع وكالة الأناضول أن إلغاء مذكرات الإحضار بحق نتنياهو وغالانت "غير جائز قانونياً بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، مشيراً إلى أن المادة 58 من اتفاقية روما تنص على عدم وجود مبرر لرفع مذكرات الإحضار ما دامت الجرائم مستمرة والأدلة قائمة.
وأكد أن إسرائيل "لا تملك أي مسوغات قانونية للطعن في قرارات الاعتقال"، مشدداً على أن قرار المحكمة "يُلزم 123 دولة عضواً تنفيذ أوامر التوقيف بحق أي مطلوب تطأ قدماه أراضيها"، معتبراً أن أي تقاعس في التنفيذ يعود إلى "اعتبارات سياسية وليس خللاً قانونياً".
وفي هذا السياق، طالبت المحكمة الجنائية الدولية في 16 أبريل/نيسان الجاري المجر بتقديم توضيحات بشأن عدم اعتقال نتنياهو في أثناء زيارته مدينة بودابست في 3 من الشهر نفسه.
وأمهلت المحكمة السلطات المجرية حتى 23 مايو/أيار المقبل لتوضيح أسباب عدم الامتثال لمذكرة الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو، إذ أكدت المحكمة أنه وفق نظام روما الأساسي، فإن الدول الأعضاء (120 دولة) ملزمة التعاون الكامل مع المحكمة.
غير أن المجر، إلى جانب دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، أعلنت أنها لن تعتقل نتنياهو حال زيارته أراضيها، بينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المدعي العام للمحكمة كريم خان.
من جانبه، أكد الخبير القانوني حسن بريجية أن القرار الجديد "لا يلغي أوامر الاعتقال"، لكنه "يفتح باباً قانونياً أمام بعض الدول لاستخدامه ذريعة إجرائية لتأجيل تنفيذ الأوامر إلى حين صدور قرار نهائي بشأن مسألة الاختصاص".
وأضاف بريجية في حديث لوكالة الأناضول أن "المحكمة ما تزال تعتبر الجرائم ضمن اختصاصها، والخلاف يتمحور حول ما إذا كانت الظروف القانونية الحالية تتيح مواصلة ممارسة هذا الاختصاص".
وأوضح أن "تأكيد المحكمة مجدداً اختصاصها سيمنح الأوامر قوة أكبر"، لكنه أشار إلى أن "تنفيذ الأوامر قد يظل معلقاً في بعض الدول لأسباب سياسية".
وتابع أن إعادة ملف الاختصاص إلى الدائرة التمهيدية "قد يتيح لإسرائيل محاولة جديدة للطعن، رغم أن المحكمة أقرت عام 2021 بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ولفت إلى أن المحكمة ستعقد جلسات جديدة للنظر في المسألة، وقد تشارك إسرائيل بشكل غير رسمي عبر تقديم مذكرات قانونية بواسطة أطراف ثالثة، محذراً من ضغط سياسي ودبلوماسي محتمل من جانب إسرائيل للضغط على الدول الأعضاء.
إعادة فتح ملف انتهاكات إسرائيل أمام العدل الدولية
في سياق موازٍ، انطلقت أمس الاثنين جلسات محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه وجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكدت المحكمة أن 40 دولة وأربع منظمات دولية أعربت عن رغبتها في تقديم مرافعات شفهية خلال الجلسات التي تستمر أسبوعاً في لاهاي.
وشارك في اليوم الأول كل من فلسطين ومصر وماليزيا، إلى جانب الأمم المتحدة، فيما ستواصل بقية الدول تقديم مداخلاتها لاحقاً، ومنها تركيا، وجنوب إفريقيا، والولايات المتحدة، فضلًا عن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في ديسمبر/كانون الأول 2024 قراراً بطلب رأي استشاري من المحكمة بشأن مدى التزامات إسرائيل الدولية، في ظل استمرار احتلالها ورفضها تمكين منظمات الإغاثة، خصوصاً "الأونروا"، التي حُظر نشاطها بقرار من الكنيست الإسرائيلي.
وخلال جلسة أمس، أكدت الأمم المتحدة أن على إسرائيل، بوصفها سلطة احتلال، "التزامات واضحة بحماية الطواقم الطبية وضمان عمل المنظمات الإنسانية".
وقالت الممثلة الأممية إن إسرائيل تنتهك التزاماتها تجاه حماية فرق الأمم المتحدة، محذرة من أن حظر عمل "الأونروا" يمثل "توسعاً غير قانوني لسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية".
هجوم إسرائيلي على الأمم المتحدة والمحكمة الدولية
كانت محكمة العدل الدولية أصدرت في 29 يوليو/تموز 2024 رأياً استشارياً أكدت فيه أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، ودعت المنظمات الدولية إلى عدم الاعتراف بهذا الوضع.
ورغم صدور مجموعتين من التدابير المؤقتة قبلها أيضاً عن المحكمة في 26 يناير/كانون الثاني و28 مارس/آذار 2024 تطالب إسرائيل بتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، تواصل إسرائيل تجاهل تلك الأوامر وتغلق معابر غزة كافة، مما تسبب في مجاعة كارثية بالقطاع.
بالإضافة إلى ذلك أعلنت إسرائيل رسمياً مقاطعتها لجلسات محكمة العدل الدولية، المنعقدة حالياً، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: "نرفض المشاركة في مسرحية الأمم المتحدة المسيسة"، مدعياً أن الأونروا "منظمة مخترقة من الإرهاب".
واعتبر أن "الأمم المتحدة والأونروا تجب محاكمتهما، وليس إسرائيل"، متهماً المنظمة الدولية بأنها "كيان فاسد ومُعادٍ لإسرائيل وللسامية".
كما رفض ساعر قرار المحكمة الجنائية الدولية برفض تعليق مذكرات التوقيف، قائلاً عبر منصة "إكس": "إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، ولم تكن يوماً كذلك، والمحكمة لا تملك أي ولاية قضائية علينا". واعتبر المذكرات "باطلة وملغاة"، على حد وصفه.
ونقلت هيئة البث العبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم "مستاؤون من قرار المحكمة الجنائية بإبقاء أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت”، واصفين إياها بأنها "سخيفة وغير مشروعة".