وكان ترمب قد أعلن الأربعاء عن رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 125%، من النسبة البالغة 104%، وردّت الصين بفرض رسوم انتقامية نسبتها 84% على السلع الأمريكية، في خطوة تعكس تصعيداً متبادلاً يزيد تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن تُحفّز هذه الضغوط بكين على تبنّي إصلاحات اقتصادية قد تعزز موقعها الجيوسياسي.
رسوم ترمب تقوّي موقف الصين بدلاً من عزلها
فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تعريفات جمركية صارمة، ليس فقط على بكين، بل على عشرات الدول الأخرى، بما في ذلك عدد من الدول الآسيوية التي اعتُبرت بدائل محتملة خلال فصول سابقة من النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
غير أن نتائج هذه السياسة قد تصبح عكسية، وفقاً لما كشفته مصادر لصحيفة نيويورك تايمز، إذ عززت تلك الإجراءات موقع الصين باعتبارها مركز جذب للاستثمارات والشركات العالمية.
فقد أدّت الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على دول آسيوية مثل فيتنام والهند -اللتين فرضت عليهما واشنطن تعريفات بنسبة 46% و27% على التوالي- إلى تآكل الحوافز التي شجعت في السابق على نقل خطوط الإنتاج إلى خارج الصين.
ونتيجة لذلك، بدأ بعض الشركات بإعادة النظر في استراتيجياتها، معتبرة أن الصين لا تزال خياراً أكثر استقراراً للإنتاج والتوريد.
وفي مذكرة بحثية حديثة صادرة عن شركة نومورا اليابانية للأوراق المالية، أشار محللون إلى أنه رغم التحديات التي تواجهها الصين بسبب الرسوم الأمريكية، فإن التوسع في فرض تعريفات جمركية على منافسيها قد يؤدي إلى الحفاظ على مكانتها الحيوية ضمن سلاسل التوريد العالمية.
وفي السياق علّق مؤسس شركة موسو بيلو الأمريكية المتخصصة في تصنيع أغطية الأسرّة المصنوعة من ألياف الخيزران، في حديثه مع نيويورك تايمز قائلاً: "الاستمرار في العمل من داخل الصين، وضمان عمل الأمور هناك بسلاسة، هما الخيار الاستراتيجي للجميع في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن تغيير الموردين "عملية مكلفة ومعقدة وتستغرق وقتاً طويلاً".
وكشف لوثر أن أحد مستشاريه قدّر تكلفة إنشاء منشأة أمريكية لزراعة ومعالجة ألياف الخيزران بنحو 6 ملايين دولار، مضيفاً أن الأشجار تحتاج إلى سنوات لتنمو، وخلال هذه الفترة سيتوجب عليه الاستمرار في دفع رسوم استيراد الألياف من الصين.
من جانبه، قال مسؤول تنفيذي رفيع في شركة تصنيع دولية -طلب عدم كشف اسمه- لصحيفة نيويورك تايمز إن الشركات تجد صعوبة في اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد في ظل ما وصفه بـ"عملية صنع قرار عشوائية" من قبل واشنطن. وأضاف: "يبدو أن قواعد اللعبة تتغير يومياً، ولا خيار أمامنا سوى الانتظار".
ووافقته الرأي سارة ماسي، المديرة في مكتب استشاري متخصص بالتجارة الخارجية، قائلة إن تصاعد الرسوم في كل مكان يجعل الشركات أكثر ميلاً إلى التمسك بالوضع القائم، وأضافت: "في عالم التصنيع، الصين هي الوضع الراهن".
هل تستقطب الصين شركاء جدداً؟
في ظل التصعيد التجاري من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وتوتر العلاقات بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، قد تسعى الصين لاستقطاب شركاء جدد، وعلى رأسهم أوروبا.
ووصف تقرير لصحيفة بي بي سي البريطانية إجراءات ترمب الأخيرة بأنها "هدية للرئيس الصيني شي جين بينغ"، الذي يسعى لتقديم الصين باعتبارها قوة داعمة للتجارة الحرة وحامية للنظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف، قائلاً إن شي استغل هذه الفرصة ليُظهر بلاده أنها بديل مستقر للتعامل مع فوضى السياسات الأمريكية في عهد ترمب.
كما أشار إلى أن الرئيس الصيني التقى مؤخراً مع عدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات عالمية كبرى، من بينها شركات أوروبية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة ببيئة الأعمال الصينية.
في المقابل، يرى تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية أن الحديث عن تحوّل عالمي للشركاء التجاريين نحو الصين قد يكون مبالغاً فيه، إذ إن "السوق الاستهلاكية الصينية ليست جذابة كما يُروّج، والنمو الاقتصادي الفعلي أقل بكثير من النسبة المعلنة البالغة 5%".
وتعاني الصين -وفق التقرير- من انكماش اقتصادي، فيما بدأت دول على رأسها الاتحاد الأوروبي في فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية، في دلالة على تراجع الثقة العالمية باقتصادها.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه الصين على استمرار العولمة للحفاظ على مكانتها الاقتصادية، يرى مراقبون أن سياسات ترمب الحمائية قد تسهم فعلياً في تقويض هذا التوجه، مما يضع بكين أمام تحديات داخلية وخارجية متزايدة، وفق التقرير.
فرصة للإصلاح الاقتصادي في الصين
تشير الحرب التجارية المتصاعدة إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيتجه إلى بذل جهود أكبر لدعم الاقتصاد الصيني، وفقاً لما ذكرته مجلة الإيكونوميست.
وفي مارس/آذار، أشار لي تشيانغ نائب الرئيس شي إلى أن الصين تستعد لمواجهة "صدمات خارجية أكبر من المتوقع"، وأنها على استعداد لتنفيذ سياسات تهدف إلى ضمان استقرار الاقتصاد.
وفي 6 أبريل/نيسان الجاري، بعد أيام قليلة من إعلان الرسوم الأمريكية، أفادت صحيفة الشعب اليومية الحكومية بأن الصين قد تشهد تخفيضات في أسعار الفائدة ونسب الاحتياطي المصرفي قريباً، كما ذكرت الصحيفة أن الحكومات المحلية ستعمل على مساعدة المصدرين المتعثرين في إيجاد أسواق جديدة داخل الصين وفي الأسواق غير الأمريكية.
وفي السياق نفسه، اقترحت شركة سوتشو للأوراق المالية الصينية أن الصين قد تخفض التعريفات الجمركية على بقية دول العالم، مع تعزيز دعم الصادرات كإجراء لتحفيز الاقتصاد، بحسب ما نقلته المجلة الاقتصادية.
وفي 7 و8 أبريل/نيسان كثفت الصين دعمها للأسواق المحلية، إذ دخلت شركات حكومية إلى السوق لشراء الأسهم، ما رفع مؤشر CSI 300 في بورصة شنغهاي بنسبة 1.7%، وفق المجلة.
ولفت تقرير الإيكونومست إلى أنه في الأشهر الستة الأخيرة أظهرت السياسات الصينية تحولات إيجابية، إذ تعهدت الحكومة بكبح تراجع سوق العقارات وتعزيز الاستهلاك المحلي "بقوة"، ومنحت الحكومات المحلية مزيداً من المرونة في الاقتراض، كما أشار الرئيس شي والمسؤولون الآخرون إلى أن القطاع الخاص سيعود إلى الواجهة، وأكدوا أن الصين ترحب بالاستثمار الأجنبي.
وفي الوقت نفسه، يشهد مجال الابتكار في الذكاء الصناعي تسارعاً ملحوظاً، مما قد يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي الصيني في الفترة القادمة، بحسب التقرير.