وكشف تقييم مشترك أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بالتعاون مع وزارة الزراعة اللبنانية والمجلس الوطني للبحوث العلمية، أن القطاع الزراعي في لبنان تكبّد خسائر تقدّر بنحو 704 ملايين دولار خلال الحرب. 

وأوضح التقرير، الصادر يوم السبت الماضي، أن الأضرار شملت مختلف فروع القطاع الزراعي، من المحاصيل والثروة الحيوانية إلى الغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، لافتاً إلى أن المناطق الأكثر تضرراً تتركز في جنوب لبنان وسهل البقاع شرقي البلاد. 

الفوسفور الأبيض يدمر التربة جنوب لبنان

على مدى السنوات الماضية، شكّلت الزراعة العصب الاقتصادي للقرى الحدودية اللبنانية، إذ يرفدان السوق المحلية بنحو 30% من حاجته، بينما تشكل الزراعة مصدر دخل لقرابة 70% من سكان الجنوب.

وأفادت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بأن 130 بلدية في لبنان تضررت بشكل مباشر من القصف، ما أدى إلى تدمير واسع في الأراضي الزراعية والبنية التحتية الريفية، ولا سيما في مناطق بعلبك، الهرمل، النبطية، ومرجعيون، التي تعد من أهم المناطق الزراعية في البلاد.

من جانبه، قال وزير البيئة اللبناني السابق ناصر ياسين في تصريحات صحفية إن المساحة التي دمّرتها إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض تجاوزت 5745 هكتاراً من الأراضي والغابات، أي ما يعادل أربعة أضعاف المساحات التي احترقت في لبنان خلال السنوات الماضية مجتمعة. 

وأكد أن هذه الأسلحة تسببت في تلوث التربة بشكل خطير، ما يهدد بإحداث تصحّر في ما لا يقل عن 6000 دونم من الأراضي الزراعية.

كما وثق تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ديسمبر/كانون الأول 2023 نفوق ثدييات وطيور وأسماك بسبب الفوسفور الأبيض، مع تسجيل آثار بيئية تهدد النظم الطبيعية، مشيراً الى أنها ستكون لها تداعيات طويلة الأجل، ولا سيما على نوعية التربة ومدى صلاحيتها للزراعة في المستقبل القريب.

من جهته كشف المدير العام لمصلحة نهر الليطاني سامي علوية عن تسجيل تلوث كيميائي غير مسبوق في مياه النهر، نتيجة ارتفاع معدلات الفوسفور إلى نحو 20 ضعفاً عن المعدلات السابقة، وهو ما يُعد تهديداً مباشراً للزراعة ولصحة السكان في المناطق المحيطة.

وأوضح تقرير أولي صادر عن البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الأضرار في الثروة الحيوانية بلغت نحو 11 مليون دولار، بما في ذلك نفوق نحو 3 ملايين دجاجة وتضرر 10 آلاف متر مربع من مزارع الدواجن، ما يعمّق الأزمة الزراعية والغذائية في البلاد، ويكشف حجم الكارثة التي خلّفها هذا العدوان.

زراعة الزيتون: قطاع حيوي مهدد

يشتهر لبنان بزراعة الزيتون، ويُعد من أكبر الدول العربية إنتاجاً له، وتشكل منطقة الجنوب نحو 15% من إنتاج الزيتون في البلاد، وقد لحق به خسائر كبيرة، قدرتها تقارير صحفية بنحو 58 مليون دولار، وخاصة أن نحو 12% من أشجار الزيتون تعرضت للتلف المباشر بفعل القصف.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن تراجع حاد في إنتاج الزيتون في موسم العام المذكور، إذ انخفض متوسط الإنتاج من 6 تنكات للدونم إلى أقل من تنكة واحدة، نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي دمّر نحو 60 ألف شجرة، بعضها يعود تاريخه إلى أكثر من 300 عام.

وأوضح وزير الزراعة اللبناني السابق عباس الحاج حسن أن نحو 65 ألف شجرة زيتون احترقت، مشيراً إلى تدمير أكثر من 2000 دونم بشكل كامل، بالإضافة إلى تضرر 52 قرية على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة تضررت بشكل مباشر من استخدام الفوسفور الأبيض.

وأشار تقرير للبنك الدولي إلى أضرار لحقت بمحاصيل أخرى، إذ بلغت الخسارة في كل هكتار مزروع بالموز، نحو 9000 دولار. أما زراعة التبغ، التي تعتبر من المحاصيل الأساسية في الجنوب، فبلغت تكلفة زراعة وحصاد الهكتار الواحد منها نحو 14300 دولار، ما يوضح حجم الخسائر التي تكبدها هذا القطاع أيضاً.

كذلك لحقت أضرار جسيمة ببساتين الحمضيات والأفوكادو، ولا سيما في مناطق المنصوري ومرجعيون، نتيجة القصف الذي دمر مساحات شاسعة وأثر في دخل آلاف العائلات، إذ تنتج منطقة الجنوب نحو 70% من إجمالي الحمضيات في لبنان، ويتركز نحو 80% من مزارع الأفوكادو في الجنوب.

مخلفات الحرب الإسرائيلية تشل الزراعة وتُهدد حياة المدنيين

إلى جانب تلك الخسائر والأضرار، تعاني عدد من البلدات من انتشار القنابل العنقودية والألغام غير المنفجرة على مساحات واسعة، ما يعمق تدمير الزراعة وتهديد حياة السكان، وخصوصاً المزارعين.

وأكد سكان تلك البلدات أن الذخائر غير المنفجرة تشكل خطراً يومياً عليهم، في وقت ما تزال فيه عمليات الكشف عنها بطيئة. وأوضح المسؤول في بلدية كفر حمام، حسيب عبد الحميد، لوكالة الأناضول أن البلدة تعاني أصلاً من حرب 2006 التي خلفت قنابل عنقودية لم تُزَل بالكامل، وتفاقمت الأزمة خلال الحرب الأخيرة، إذ سقطت أكثر من ألفي قذيفة مدفعية على أراضي البلدة، مدمرة مساحات واسعة من أشجار الزيتون والتين والصنوبر.

وأشار عبد الحميد إلى أن السكان حُرموا من الوصول إلى أراضيهم طوال فترة الحرب، وبعض المناطق الزراعية لا تزال ملوثة بالقنابل، بينما لم تتمكن البلدية من تحديد كل المناطق المستهدفة نظراً لنزوح السكان خلال الحرب.

ودعا مسؤول البلدية إلى تدخل عاجل لمسح الأراضي القريبة من المناطق السكنية، مشيراً إلى أن الخسائر فادحة ولا تقتصر على فقدان المواسم الزراعية، بل شملت اقتلاع أشجار معمرة واحتراق مساحات شاسعة.

ويعاني لبنان أزمة اقتصادية كبيرة منذ أكثر من 4 سنوات بات معها معظم السكان دون خط الفقر، وفق البنك الدولي، التي عمقتها الحرب الإسرائيلية، ما جعل تبعاتها تنعكس بشكل غير مسبوق على قطاعات البلاد المختلفة.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.