ويطمح ترمب من خلال المشروع إلى بناء نظام دفاعي قادر على التصدي لمجموعة واسعة من الأسلحة، تشمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ فرط الصوتية، والصواريخ الجوالة، والطائرات المسيّرة. ويأمل أن يكون هذا النظام جاهزاً للتشغيل بحلول نهاية ولايته.
لكن وبعد مرور أربعة أشهر على إصدار الأمر إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) بالشروع في العمل، لا تزال المعلومات المتاحة عن المشروع ضئيلة، وسط تساؤلات متزايدة بشأن الجوانب الفنية والمالية التي ينطوي عليها.
المحللة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ميلاني مارلو، رأت أن العقبات الأساسية للمشروع تتمثل في "التكلفة، والطاقة الإنتاجية لصناعة الدفاع، والإرادة السياسية".
وأضافت أن تجاوز هذه العقبات "ممكن لكنه يتطلب تركيزاً عالياً وتحديداً دقيقاً للأولويات".
وتابعت: "من الضروري أن يتفق البيت الأبيض والكونغرس على حجم الميزانية ومصدر التمويل، في وقت تشهد فيه صناعة الدفاع الأمريكية انكماشاً، رغم جهود إحيائها مؤخراً".
كما شددت على أن المشروع يتطلب قفزات نوعية في مجالات متعددة مثل أجهزة الاستشعار، والصواريخ الاعتراضية، والبنية التحتية للقيادة والسيطرة.
في تصريحات له، قدّر الرئيس ترمب تكلفة "القبة الذهبية" بنحو 175 مليار دولار، إلا أن خبراء يشككون في دقة هذا الرقم.
الأستاذ المساعد في الشؤون الدولية وهندسة الطيران والفضاء في معهد جورجيا للتكنولوجيا، توماس روبرتس، وصف هذا التقدير بأنه "غير واقعي"، موضحاً أن تصريحات الرئيس "تفتقر إلى التفاصيل الكافية التي تتيح فهم نطاق المشروع وتقدير تكلفته الحقيقية".
المشروع، وفق المعطيات الحالية، يعيد إلى الأذهان المبادرات السابقة التي أطلقتها الإدارات الأمريكية، مثل "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" المعروفة إعلامياً بـ"حرب النجوم" في عهد رونالد ريغان، والتي اصطدمت أيضاً بعقبات تكنولوجية ومالية مشابهة. الفرق اليوم أن التهديدات تطورت، والتحديات الهندسية أصبحت أكثر تعقيداً، خصوصاً مع ظهور تقنيات التخفي والسرعة الفائقة.
إضافةً إلى ذلك، فإن البيئة السياسية الأمريكية قد تَحول دون توفير التوافق اللازم لتمرير ميزانيات ضخمة، خصوصاً إذا لم يكن هناك إجماع على مدى جدوى المشروع وجدول إنجازه.
يبدو أن "القبة الذهبية" تمثل أكثر من مجرد مشروع دفاعي؛ فهي اختبار لإمكانات الصناعات الدفاعية الأمريكية، ومدى قدرة النظام السياسي على حشد الإرادة والموارد لمواجهة تهديدات متطورة. وحتى تتضح التفاصيل الفنية والتمويلية، ستظل "القبة الذهبية" أقرب إلى مشروع سياسي طموح منه إلى برنامج دفاعي واقعي.
تقديرات التكلفة: مئات المليارات
وحسب وكالة تابعة للكونغرس الأمريكي غير حزبية، فإن إنشاء نظام اعتراض فضائي مصمَّم للتعامل مع عدد محدود من الصواريخ العابرة للقارات قد تتراوح تكلفته بين 161 و542 مليار دولار خلال عقدين من الزمن.
لكن الوكالة حذّرت من أن النظام الذي يتصوره ترمب يتطلب قدرة اعتراض فضائي "أوسع وأكثر تطوراً" من الأنظمة التي خضعت سابقاً للدراسة، ما يستلزم تحليلاً معمقاً لتحديد الفروق في التكلفة والتصميم.
استلهم ترمب تسميته "القبة الذهبية" من نظام "القبة الحديدية" الإسرائيلي، الذي أُنشئ خصيصاً لاعتراض صواريخ قصيرة المدى والقذائف والطائرات المسيّرة. إلا أن التحدي الذي يطرحه مشروع ترمب يتمثل في إسقاط صواريخ عابرة للقارات، وهي أسلحة استراتيجية تختلف كلياً في سرعتها ومدارها وتقنيات إطلاقها.
وفق تقرير "مراجعة الدفاع الصاروخي" لعام 2022 الصادر عن البنتاغون، تواجه الولايات المتحدة تهديدات متزايدة من روسيا والصين، لا سيما في مجالي الصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية. وبينما تعمل موسكو على تطوير ترسانتها من الصواريخ العابرة للقارات، تقترب بكين تدريجياً من التفوق في قدرات الضربات البعيدة.
كما حذرت الوثيقة من ازدياد خطر الطائرات المسيّرة، في ظل الدور المحوري الذي تلعبه هذه التكنولوجيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلى جانب تهديدات باليستية محتملة من كوريا الشمالية وإيران، فضلاً عن جهات غير حكومية.
يشير تشاد أولاندت، الخبير في "راند كوربوريشن"، إلى أن مستوى التهديدات في ازدياد مستمر، لكن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية التصدي لها "بشكل فعّال وبتكلفة مقبولة". ويضيف: "الأسئلة الجوهرية تتعلق بعدد التهديدات ونوعها، فكلما ارتفع مستوى التهديد، تضاعفت تكلفة التصدي له".
أما توماس ويذينغتون، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، فيرى أن مشروع "القبة الذهبية" يتطلب اجتياز عقبات علمية، بيروقراطية، وسياسية معقدة، ويصفه بأنه "باهظ للغاية، حتى بالنسبة إلى ميزانية الدفاع الأمريكية". ويضيف بتحفظ: "نحن نتحدث عن مشروع قد لا يرى النور، بالنظر إلى حجمه وتكاليفه الهائلة".